26 - 06 - 2024

تعا اشرب شاي | خالتى كوريا الشمالية

تعا اشرب شاي | خالتى كوريا الشمالية

(أرشيف المشهد)

  • 12-6-2015 | 23:09

قبل أن ألتحق بالمدرسة الإبتدائية , كانت طنط إيناس بالنسبة لى لا تقل فى خطورتها عن خطر داعش , كانت إمرأة ممتلئة القوام , لا يفارق يدها السمينة خرطوم قصير لتأديب أبنائها عند اللزوم , وكانت تسكن بالقرب منا , ولأن أمى والله أعلم كان الخرطوم يسبب لها أرتيكاريا فى يدها او إستسهالا منها لا أعرف على وجه التحديد , كانت تهب لإستدعاء طنط إيناس لترويع العاصى منا , فلا يلبث إلا أن يتحول لقطع غير آدمية فى الحال لتفعل بها أمى ما أرادته  قبل ان تهم من مقعدها لتنفيذ تهديدها.

و كنت أظن فى تلك المرحلة الحرجة , أن ما تمارسه هذه السيدة هو أقصى مراحل العنف البدنى.

وعندما إلتحقت بالمدرسة الإبتدائية , إكتشفت أن طنط إيناس كانت ملاكا , وأن وقع خرطومها القصير , لا يتعدى كونه "زغزغة" بالنسبة لطفل سخيف لا يحب الضحك.

فقد كنت تلميذة مجتهدة و متفوقة , إلا أننى عشت حياة بائسة للغاية من أثر عمليات الإرهاب الذى كان يمارس فى المدرسة , خاصة وقد كنت طفلة مسالمة و أحمل كرامتى فوق أرنبة أنفى , ولا أحب أن يوجه لى أحدهم و لو  مجرد نظرة عتاب , لذا فقد كنت طيلة هذه الفترة أعيش كزوج مطيع , ضبطته زوجته لتوه متلبسا بخيانتها مع الخادمة , و أزعم ولا فخر , أننى كنت ملهمة الشاعر الجهبذ الذى أنشد يقول:

أقوم الصبح بدرى .... آخد شنطتى و أجرى .... يا ناس سيبونى , حتعطلونى.

فكنت لا أنام أساسا حتى أقوم , وكانت شنطتى تعد سلفا قبل موعد اليوم الدراسى بشهرين على أقل تقدير , أما هؤلاء الأشرار الذين كنت أظن أنهم "حيعطلونى" فقد كنت لا أراهم البته , ففى طريقى إلى المدرسة , لا أرى ... لا أسمع... لا أتكلم , فقط أتمتم بما أحفظه من آيات الذكر الحكيم كى يمر اليوم على خير.

كان العقاب الذى يتلقاه "العيال البلدة" فى الفصل , كفيلا أن يربى لى الفزع فى يقظتى ومنامى , وكان يتراوح بين التأنيب وخصم الدرجات , ثم يتصاعد ليصبح شتيمة حرة غير مباشرة , ثم مباشرة , وبعدها تبدأ ضربات الجزاء بداية بالضرب المبرح على اليد مرورا بالمد والعبط و نهاية بالفصل النهائى , والمحظوظ فقط هو الذى يفوز بكف يعلم على قفاه حتى اليوم التالى.

و كنت أظن فى هذه المرحلة الحرجة أن ما يمارسه المدرسون فى المدرسة هو أقصى درجات العنف البدنى , إلى أن رأيت فيلم "الكرنك" و صدمت بما جاء فيه من طرق التعذيب المختلفة  بإستخدام الكهرباء _أيام ما كان فيه كهربا_ أو الجلد و السحل وهبر الكلاب وصولا للسيد المبجل فرج.

وأصبحت على يقين أن أم الدنيا ظلمت وعذبت أبناءها لمجرد إختلافهم مع النظام الذى يحكمها.

و كنت اظن فى هذه المرحلة الحرجة أن ما مارسه النظام المصرى وقتها هو أقصى درجات العنف البدنى , إلى أن سمعت أخبار وزير دفاع كوريا الشمالية , الذى قرر النظام إعدامه بواسطة مدفع مضاد للطائرات لأنه غفا أثناء عرض عسكرى حضره الزعيم الملهم كيم جونج , ولعل السؤال المنطقى : ماذا لو كان المرحوم قد إختلف لا قدر الله مع النظام وحرض على رفض التجربة الديموقراطية الواعدة فى البلد الشقيق ؟ أعتقد أنهم كانوا فى هذه الحالة سيشدون وثاقه ويجلسوه مقلوبا فى إحدى مراكب الشمس و من ثم تنطلق به المركبة حتى القرص الدامى لتلقيه فيها ثم ترجع بدونه وسط زفة جماهيرية تشدو له : يا بلحة يا مأمعة.

ولعل من دواعى عبقرية السيد كيم , أنه جعل العقاب من جنس العمل , فلأنه وزير للدفاع كان عقابه أن يطير فى الأفق بواسطة مدفع ليتحول إلى رفارف عربية شاهين , ولعله كان سيفرمه ويصنع من لحمه كفتة إن كانت مهنته "كبابجى" مثلا , ويعزم عليه الإخوة الكوريين ليأكلوه صوبع صوبع , والحمد لله أن الطعمية ليست من أكلاتهم الشعبية والا لإستنزف زيت التموين الكورى فى قلى الطعمجية العصاة.

أعتقد لو طبق هذا العقاب لنفس هذا السبب فى مصر ستختفى الحياة البشرية فوق أرضها , وسينقرض الكائن المصرى وسنبحث عن مواطن كورى صالح لينفذ حكم الإعدام فى آخر مواطن مصرى لأنه لن يجد من يقوم بهذا الواجب الوطنى الرفيع , ومن المؤكد أن أول رقاب ستطير هى رقاب أعضاء مجلس الشعب الموقرين , الموثقة جرائمهم صوت و صورة ... شخير وخترفة و رؤوس متدلية فوق الصدور......الخ  , أى نوم مع سبق الإصرار و "التدثر" , وهنا لا يوجد سيد قراره بالطبع والمتاح فقط هو سيد ابو شفة.

سامحينى يا أم الدنيا ظننتك قاسية للغاية , ولم أكن أتخيل أن خالة الدنيا بهذه القسوة.

قلوب سكان المجرة كلها معكم أيها الكوريون.

مقالات اخرى للكاتب

جاء فى مستوى الطالب الضعيف





اعلان